عندما رأيت أن الدنيا لم ولن تصفو لأحد ,
وأن البلاء سنة الله في الخلق ,
وأن ماكتب الله واقع , وما حكم به نافذ
فلا مفر من حكمه , ولا منجي من قدره ,
وإن الرضى بالقدر والتسخط عليه لن يعود إلا على صاحبه ,, بالنفع أو الضر
وإن الدنيا مهما عظم فيها البلاء , وتكاثرت فيها الأحزان , وألمت بأهلها من مصائب ,
فإنها لامحالة زائلة , وسينتهي المطاف عند رب الأرباب ,
وهناك قد يُغفر ذنب بصبر على مصيبة , قد غفل العبد عن التوبة منه
وقد يُرفع العبد درجات في الجنان بصبره على قدرٍ ساءه , لم يكن ليبلغها إلا بذلك الصبر
حينها ,,,,
اخترت طريق { الصبــــــر }
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( وجدنا أطيب عيشنا بالصبر)
حينما قلبت النظر حولي , فرأيت كيف تتقطع أواصر المحبة ( المتينة ) ,, وتتهاوى صروحها أمام أقل حركة لرياح المصالح
المتعارضة .. !
,,
فهنا مصلحة أنقضت ,, لتقضي معها على بعض العلاقات .. !
وهناك غني أفلس ,, فانفض الــ ( المحبين ) من حوله ليكتشف
أن حبهم كان للمال ,, ليس إلا .. !
وهناك جمال زال ,, وهناك منصب تبدل ,, وهناك .. وهناك .. وهناك ..عشرات الأسباب التي تزول كما دنيانا ,, فتزيل معها أوثق
الروابط وأقواها ,,
فما كان للدنيا ,, كان حاله كحالها ,,
كلاهما إلى زوال ,,
ولاتبقى منها إلا الذكريات ..
إن بقيت
ثم هم يوم القيامة يكونون من الذين قال الحق تبارك وتعالى فيهم ( الإخلاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدو إلا المتقين )
ولأجل (إلا المتقين )
أخترت طريق.. { الحب في الله }
قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من
الله تعالى قالوا يا رسول الله تخبرنا من هم قال هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها فوالله إن وجوههم
لنور وإنهم على نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس وقرأ هذه الآية ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم
يحزنون ) * ( صحيح )
حينما علمت أن الروح كالجسد ,, تحتاج لما تنمو به وتتقوى ,,
فتصح بالسليم من الغذاء , ويسقمها الرديء وقلته ,,
وقد تموت بنقصه الشديد ,
وكم شاهدنا ونشاهد من أولئك الذين أغدقوا على أجسادهم بالطعام ,
وقتروا على أرواحهم بما تحتاجه لتحيا ,
فمرضت الروح , وإن صح الجسد ,
فهذا يشتكي كآبة لاتفارقه , وآخر يعاني من أرق حرمه طيب النوم , وثالث تكاد الوساوس تفتك به
تراهم يتقلبون في النعم , من طعام وشراب , ولباسٍ ومسكن , وشهرة ورئاسة ,
لكن القلب يشكو حزنا دائما , وكأن الدنيا ضاقت عليه بما رحبت
أولئك الذين نسوا أن دواء الروح وعلاجه وغذائه وسبب سلامته , أن تصله بخالقه ,
تجعله ينعم بقربه , تطعمه من مناجاته , وتسقيه بذكره ,
فتحوز بذلك أسباب السعادة والرضا , وتغادر الأسقام روحك ,
فأنت قد أحطتها بسور يحميها .. وأغدقت عليها ماتشتهي من الوصل والقرب ممن تحب وتحتاج
ولآني أحتمل مرض الجسد , لكني لا أحتمل مرض الروح ,,
أخترت طريق ( القرب من المعبود سبحانه )
ذكر ابن القيم رحمه الله :
"فإن فى القلب فاقة لا يسدها شىء سوى الله تعالى أبدا، وفيه شعث لا يلمه غير الإقبال عليه، وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاص
له، وعبادته وحده، فهو دائما يضرب على صاحبه حتى يسكن ويطمئن إلى إلهه ومعبوده، فحينئذ يباشر روح الحياة، ويذوق طعمها،
ويصير له حياة أخرى غير حياة الغافلين المعرضين عن هذا الأمر الذى له خلق الخلق، ولأجله خلقت الجنة والنار، وله أرسلت الرسل
ونزلت الكتب، ولو لم يكن جزاء إلا نفس وجوده لكفى به جزاء وكفى بفوته حسرة وعقوبة.
عندما رأيت كيف تحيط الشبهات بنا من كل جانب وكيف أنصرفت الحقائق عن مواضعها
وقد ألبس الحق لباس الباطل ,, والباطل لباس الحق ..
الناس خلف أهوائهم تؤآزرهم الشياطين ,
وكيف اكتظت طرق الضلال بساليكها ,
وأعان السائرون فيها بعضهم ليكملوا مسيرهم , وقد لبّس عليهم إبليس أن الحق معهم
وكيف أن الحرمات تُنتهك وتجد من يبارك فاعليها , بل .. وكيف استوحش الناس طريق الحق ومنهج الرعيل الأول ,
وحاربوه , وصدوا عنه فعدّوا السائر في ذلك الدرب من المتخلفين
ونسبوا له مايشائون من مسميات لينفروا الناس عن اقتفاء أثره ,أو محاولة اللحاق به , أو خوض تجربة السير في طريقه ,
عندما أيقنت البون الشاسع بين الدربين ,
وأيقنت أن ذلك الدرب الموحش ,, فيه النجاة
حينها ,,
اخترت طريق ( الغربة )
قال عليه الصلاة والسلام : ( إن الإسلام بدأ غريبا ، وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء . قيل : من هم يا رسول الله ؟ قال : الذين
يصلحون إذا فسد الناس . ( صحيح ) .
وبعدأيها السائرون ,, فاعلموا أن لكل درب نهاية ,
فتخيروا - فإنكم اليوم مخيرون - وأعمالكم وممشاكم رهينة اختياركم ,
لكنكم تذكروا , واستوعبوا .. واستيقنوا ,
أنكم غدا ستكونوا بما اخترتم ( مقيدون )
وستصبحوا رهينة أعمالكم , وستجدون عاقبة اختياركم ,
حينها , لن يكون لكم الخيار في الإختيار ,
فبادروا اليوم مادامت طرق الخير ميسرة ..
ودروب الحق واضحة ,
وسبل النجاة متعددة ,,
وتزودوا بالتقوى فإنها خير زاد ,
وأعينوا رفقاء دربكم لتبددوا وحشة الطريق,,
وتواصوا بالحق حتى تثبت قلوبكم ,,
وتواصوا بالصبر حتى تثبت أقدامكم
حينها ستنالوا بإذن الله غايتكم ,
وما أعظمها من غاية ,,
فهنيئا لكم إن أتتكم المنية ,, وآثاركم على تلك الدروب باقية
م
ن
ق
و
ل