عزة المؤمن إنما تكون بالله عز وجل، لأنه يركن إلى العزيز الذي لا يغالب ولا يقهر، وله العزة جميعا، والمؤمن يطلب العزة من الله، ويوقن بأنها لا تنال إلا منه جل جلاله قال الله تعالى: {من كان يريد العزة فلله العزة جميعا} وقال تعالى: {وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ }، وقال تعالى {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .
والعزة جعلها الله لأهل التوحيد والإيمان، وحجبها عن أهل الكفر والنفاق، قال الله تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} وقال تعالى رادا على المنافقين لما قالوا: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} فقال تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} .
فالمؤمنون أعزة إذا حققوا الإيمان ظاهرا وباطنا، واجتمعوا عليه، وتحابوا فيه، فعندئذ يؤيدهم الله بنصره، ويوقع الرهبة في قلوب العدو، مهما كان قل عَددهم وعُددهم، قال الله تعالى: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون} {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِين}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} وفي الحديث المتفق عليه من غير وجه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نصرت بالرعب مسيرة شهر ) .
قف أيها المؤمن:
العزة ليست في كثرة المال والولد والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث!
العزة ليست في كثرة السلاح وقوته، أوفي المقومات البشرية والمادية فحسب !
العزة ليست في الاغترار بالحياة الدنيا وزهرتها، وحسن المراكب والمطاعم واللباس !
العزة ليست بالاستكبار في الأرض، والتعالي على المؤمنين !
العزة ليست في التشبه بالكفار، ومحاكاتهم والركون إليهم !
العزة ليست في النظم الوضعية، ورفع الشعارات الجاهلية، وإن غلفت ـ ورا وبهتانا ـ بالإسلام، كما قيل: ديمقراطية إسلامية، أواشتراكية
إسلامية، أوليبرالية إسلامية، أودعي إلى هذه النظم بأسماء إسلامية محضة، فالاعتبار بالحقائق!
وجماع الأمر: أن من ظن العزة في غير ماجاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مخطئ ضال، وذلك ظن الذين كفروا، فويل للذين كفروا من النار، ألم تسمع إلى ما أخبر الله عنهم في قوله: ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) .
العزة بغير هدى الله عزة متوهمة لا حقيقة لها، وإن ظنها أصحابها كذلك ؛ ولهذا أبطل الله هذا الظن المتوهم من الكفار والمنافقين، كما في قوله تعالى: ( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ ) ( وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ) .
ومن طلب العزة في غير هدى الله أذله الله في الدنيا والآخرة ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ) ( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ) .
من كان يريد العزة فإنها جميعها للَّه وحده، فليطلبها منه وليتسبب لنيلها بطاعته جلَّ وعلا، فإن من أطاعه أعطاه العزّة في الدنيا والآخرة. أمّا الذين يعبدون الأصنام لينالوا العزّة بعبادتها، والذين يتّخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، يبتغون عندهم العزّة، فإنهم في ضلال وعمى عن الحق؛ لأنهم يطلبون العزّة من محل الذلّ. ( أضواء البيان ).